U3F1ZWV6ZTUwNjQyODAxODUzODAxX0ZyZWUzMTk0OTg1ODUzNjE2Mw==

كان يا ما كان .. (2)

 


كان يا ما كان .. (2) 


.. على موعد حبيبتي ..

كان يا ما كان .. يا سادة يا كرام .. ولا يحلي الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام .. 

ونكمل قصة صاحبي، والذي أجده كأنما فارقته الطاقة الإيجابية، والتي كان يستمد منها قوته، أو لعلها فطرت قليلاً، فسيطرت عليه حالة من الطاقة السلبية، والتي استسلم لها، وهي تستدرجه رويداً رويداً، نحو بحار من الأشجان، وهو يسترسل في الحديث، وتملئ عينيه عبرات، يوشكن أن يبللن لحيته، يبدأها بـ عذراً بنيتي، فحياتي كلها لا تساوي دمعتك ..

مشهد داخلي ليلي : 

وسط بكاء وأنين مكتوم .. ومشاعر حزن، تنفطر لها الأكباد والأفئدة .. والغرفة تسبح في ظلام دامس، إلا من نور في وسطها .. لا تدري، أهو يشع من جثمانها .. أم من بياض أكفانها.
 فالكل أجمع، علي وضاءة ونور وجهها، وبياضاً يتلألأ من جبينها، وابتسامة تعلو ثغرها، ولما لا؟ فهي ابتسامة الراحة الأبدية، وكأنما تقول بلسان حالها لما الحزن عليا ؟.
وأصررت على حضور الغسل، ما بين مؤيد ومعارض، فهم لا يعلمون، أنني شرعاً يجوز لي ذلك، بل وأكثر، يجوز لي المشاركة في الغسل، غير أنني لم أستطع، وقد كنت أقوم به في الواقع مع اختلاف الحالة.
وأجدني أقبل جبينها مودعاً، وعلي لساني جملة واحدة – علي موعد حبيبتي – علي موعد حبيبتي.

ومر الوقت، لا أدري مسرعاً أم مبطئاً، فالزمن في حضرة الموت يتوقف، لا أدري إجلالاً وتعظيماً، أم خوفاً وخشية. 

مشاعر كثيرة متضاربة، أشجان وذكريات، تمر بخاطري، تبرق من أمام عينيي، مسرعة متزاحمة، وكأنما تسارع إلي مرقدها الأخير .. غير عابئة بمن تركت ورائها .. هل سيصبر ؟ هل سيقدر علي ألم الفراق؟. 

وبالرغم من طول فترة مرضها، إلا أنني لم أفكر، ولو للحظة في ذلك .. فكانت الصدمة والفاجعة .. والكل من حولي، غير مصدق أننا نودعها .. وكنت أظن، أن يومي سيسبق يومها .. ولكن تلك سنة الحياة .. ولا اعتراض علي مشيئة الله .. 

وأجدني اضم ابنتي إلي صدري، وهي منهارة من البكاء، فقد فقدت أمها، وحضنها الدافئ، ملاذها الأول والأخير .. قوتها وصمودها .. حنانها ورعايتها – حتي اختلط بكائي ببكائها – وأقبل جبهتها مواسياً، ومطمئناً لها، وكأنني سوف أعوضها عن فقدان أمها .. 

تفر دمعة مكبوتة من عينيه، صارخة معلنة عن قسوة الحزن والأشجان، غير عابئة بالزمان ولا المكان، وقد ضاقت بها مقلتاه، تبعتها دمعات أخريات، يسرن على درب الدمعة الأولي، لعلهن يطفئن ناراً بصدره تأججت، يصرحن في غير ما خجل عن ضعفه، وعدم قدرته .. فالمصاب جلل ..

مشهد خارجي ليلي :

حان وقت الدفن ..

وبالرغم من حالته الصحية والنفسية، أصر علي حملها إلي مثواها الأخير، غير مستمع للأقارب والمحيطين به .. بلاش أنت .. مش ها تقدر .. عشان خاطر صحتك .. وصمته المسموع يصرخ فيهم .. إليكم عني .. إليكم عني ..  فأنتم لا تعلمون .. فلو خيرت لفديتها بالغالي والنفيس .. فقد كانت رفيقة دربي، طوال أكثر من خمسة وعشرون سنة .. خففت عني همومي، وحملتني في مرضي، وشاركتني أفراحي وأحزاني .. 

وبرغم طول الطريق إلي المقابر، إلا أنه مر سريعاً ..

ووصلنا إلي المقبرة، ويا لاَ هول المشهد .. فأنا لا أدفن زوجتي وفقط .. بل أدفن جزءاً من كياني معها .. أدفن تاريخي وذكرياتي .. أدفن ربع قرن من المشاعر، والأحاسيس .. فماذا تبقي لي بعد الدفن، لأعود به ؟ لا شيء !!! ..

.. على موعد حبيبتي .. وإلي أن نلتقي .. فإن غداً لناظريه لقريب ..

.. يتبع إن شاء الله فللقصة بقية ..


************************

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة