U3F1ZWV6ZTUwNjQyODAxODUzODAxX0ZyZWUzMTk0OTg1ODUzNjE2Mw==

كان يا ما كان .. (3)

 



كان يا ما كان  ..(3)

.. موعد الزيارة ..

كان يا ما كان .. يا سادة يا كرام .. ولا يحلي الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام .. 

مشهد نهاري خارجي :

وَوَجَدتُني أقفُ أمامَ قَبرِِها كناسكِ في مِحرابِ..
كعاشقٍ مكلومٍ استبدَ بِه ألمُ الفِراقِ..
يا ويحَ قلبي أينَ كان كلُ ذلكَ الإشتياقِ..
يا ويحَ صَدري يا لاَ حُرقةُ تلكَ الزفراتِ..
كفكفي الدمعَ يا عين..
ألم يكن قد جفَ الدمعُ بالأحداقِ..

بتلك الأبيات استهل صديقي حديثه، وهو يصف زيارته الأخيرة لقبر زوجته، ورغم أن هذه الأبيات لا نستطيع وصفها بالشعر، لافتقادها للكثير من قواعده، إلا أنها تحمل من المعاني الكثير، ويسترسل صديقنا في الحديث..

تذكرت حينما قالوا لي، وهي على خشبة الغسل.. قل لها سامحتك.. علاما أسامحها؟! وليس لها سوي ذنب واحد.. أنها تركتني ورحلت قبلي.. وهل يملك الأحياء أمام الموت اختيار؟! ..
 
وعجبت مني وانا أقف أمام قبرها اشتكي لها قسوة الحياة من بعدها، عجباً، هل يطلب الأحياء من أمواتهم المعونة؟!!.

ولكنها العادة، فقد كانت حال حياتها يقصدها القريب، والبعيد والكبير قبل الصغير، يطلبونها المشورة، ولم تكن تصد أحد.. على حساب وقتها، وأعصابها، ورغم مرضها كانت تقدم لهم يد المساعدة ما استطاعت.. فتوفق هذا مع هذا، وتقرب وجهة نظر هذه مع تلك، وتصلح هذا مع ذاك، وهي في ذلك تبذل من الجهد ما يبخل به ولا يقدر عليه الأصحاء.. غير عابئة بمرضها وصحتها فكل ذلك عندها يهون أمام سعادة الغير.. رحمة الله عليك يا من أثرتي في حياة الآخرين بالخير.. 

مشهد داخلي ليلي : 

أخرجت منديلاً لصاحبي، وقد استبد به ألم الفراق والحنين، وجرح لم يلتئم بعد، وما زال دمه يسيل، ودموع تنساب على وجنتيه، مخلفة ورائها بوجهه اخدود عميق.. 

بادرته بسؤال كنت أظنه بسيط لعله يخرج من تلك الحالة، ألهذا الحد كنت تحبها؟

ورغم بساطة السؤال والذي قد تبدو إجابته أبسط .. نعم ، أو نعم وأكثر مثلاً .. لكنه رد عليَّ بفلسفة لا وصف لها سوي انها فلسفته الخاصة أو ربما قناعاته الشخصية ..

أنتم تنظرون للحب من منظور واحد، منظور قاصر على حب الولد للبنت، أو الرجل للمرأة، أقل أنواع الحب، ناسين أو متناسين النوع الأشمل والأعم من الحب، والذى بدأ الله به الكون.

بدايةً أضرب لك مثلا، الزواج وأخص به نوعاً وأحداً بدأ قديماً ربما من عهد جدي وجدك وهو زواج الصالونات، يتزوج الرجل بالمرأة لا يعرف عنها سوي اسمها واسرتها، لا حب، ولا مقابلات، ولا حتي خطوبة، ومن العجيب أن هذا الزواج يدوم طويلا في الغالب طوال عمرهما، ربما أكثر من زواج هذه الايام بعد معانة الحب والأشواق والجراح وما إلي ذلك.. ورغم أنهما تزوجا دون سابق معرفة وقصص حب وهيام، إلا أنها أصبحت قرة عينه، وهو كذلك أصبح كل دنياها وحياتها.. فما السبب؟. 

مقاطعاً صديقي، ضاحكاً لأضيف جوا من المرح، قل يا فيلسوف..
يسترسل صديقي موضحا وجهة نظره.. 
الأمر ببساطة، إنها الفطرة دونما تغيير أو تشويه أو حتي اضافة من اضافات البشر، وصدق الله العظيم حين يقول : ﴿ومِن آياته أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِن أنْفُسكُمْ أزْواجًا لِتَسْكُنُوا إلَيْها وَجَعَلَ بَيْنكُمْ مَوَدَّة ورَحْمَة إنّ فِي ذَلِكَ لَآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
[سورة الروم 21]
فكما هو معلوم فحواء، خلقها الله من آدم من ضلعه الأيسر، وسائر الناس من نطف الرجال والنساء، وجعل بينهم الألفة والمحبة والرأفة والشفقة، فهي بعض منه ودائماً يحن البعض للكل.
يقول الشيخ محمد عبده عن الزوجة: "وهى منهُ بمنزلة البعض من الكل، وألزم له من الظل، وصاحبته في العز والذل، والترحال والحِل، بهجة قلبه، وريحانة نفسه، وأميرة بيته، وأم بناته وبنيه".
ويأتي السياق المبدع من الله موضحاً ﴿لِتَسْكُنُوا إلَيْها﴾ أي لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن، ولتجدوا فيها سكناً للنفس والأعصاب، وراحة للجسم والقلب، واستقراراً للحياة والمعاش، وأنساً للأرواح والضمائر، واطمئناناً للرجل والمرأة على السواء فحكمة الخالق في خلق كلٍ من الجنسين على نحو يجعله موافقاً للآخر، ملبيّاً لحاجته الفطرية، نفسية وعقلية وجسدية، بحيث يجد كليهما عند الآخر الراحة والطمأنينة والاستقرار، ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء والمودة والرحمة، لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي، يلبي رغائب كلاً منهما للآخر.
 
فليس السبب، الحب بنوعه الأول وفقط، بل أسباب أخري كثيرة، لا يعرفها سوي من اتقوا الله في أنفسهم وفي من معهم.


.. يتبع إن شاء الله فللقصة بقية .. 

******************

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. تستحق المقولة التي أوردتها علي لسان الصديق بالفيلسوف - فعلاً ليس الحب قاصر عي حب الجنسين بل هو أعم وأشمل وأكثر من ذلك بكثير - بالتوفيق إن شاء الله

    ردحذف

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة